فلسطين ولبنان على مبدأ احترام سيادة الدولة
نشر بتاريخ: 2025-05-22 الساعة: 07:11
.
موفق مطر
قدم الشعب اللبناني الشقيق تضحيات عظيمة من أجل فلسطين، وناصر الحق الفلسطيني، وحركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وتجلى إخلاص اللبنانيين ومصداقيتهم في تبني القضية الفلسطينية في شراكة لا تنفصم ولن تنفصل في ذاكرة الشعب الفلسطيني، ذلك أن الشاهد عليها بات فصلا من كتاب تاريخ الشعبين، حتى أن الناظر للمشهد السياسي العام، بمنظور الإيمان بالقضية، وتكريس القدرات الشخصية الفردية الفكرية والثقافية عمليا، وكذلك القدرات الجمعية المنظمة (الأحزاب والمنظمات والهيئات.. وغيرها) لا يمكنه تمييز اللبناني عن الفلسطيني.
ونعتقد أن أسماء اللبنانيين والفلسطينيين في قوائم الشهداء والجرحى، ومشاهد الآلام والمعاناة والدمار في المكان ذاته على أرض لبنان، يدفعنا للتفكير والعمل أيضا، لتكريس مبدأ: نريد للأشقاء العرب ما نريده لأنفسنا، الذي تجلى بمنهج الاستقلال والسيادة، الذي نظمته القيادة الوطنية الفلسطينية، ورسخته عمليا في علاقات فلسطين مع الدول العربية، لضمان استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وبسط سيادة دولة، بأركانها القانونية الشرعية الرسمية على كامل أراضيها.
فنحن ننتصر لمبدأ الالتزام بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، وإنهاء أي مظاهر مخالفة، كما تعمل قيادة دولة فلسطين لحصر السلاح لدى المؤسسة الأمنية الفلسطينية، فالدول تبنى على أسس وحدانية النظام السياسي، والقانون، والسلاح، والالتزام باتفاقيات والتزامات وتعهدات الدولة، وما عدا ذلك فإنه يحسب بمنظور محاولات لفرض (دويلة) مصطنعة، داخل كيان الدولة، ليس لضرب المصالح الوطنية العليا لشعب الدولة وحسب، بل لتبديد معنى الدولة، والإخلال بمقومات توازن سلطاتها: القضائية والتشريعية والتنفيذية، وبالتوازي تفريغ معنى الانتماء الوطني من مضمونه، عبر تغليب الانتماء الفئوي، الحزبي، الطائفي - على حساب الانتماء للوطن.
لقد اكتوى الشعب الفلسطيني من ظاهرة استغلال عدالة الحق الفلسطيني (القضية الفلسطينية)، ومن محاولات تجيير شرعية كفاحه ونضاله لصالح أجندات دول وقوى إقليمية، وتحويل (البندقية المسيسة) إلى (بندقية مأجورة) واكتوى أيضا من اختراق مجرمين وإرهابيين لمخيمات لاجئين فلسطينيين في لبنان وسوريا، وهنا في فلسطين، الذين اتخذوها كملاجئ، ظنا أن يد الدولة لن تصل إليهم، لكنهم في الحقيقة مدفوعون بقصد ضرب رمزية المخيمات لحق العودة، وطمس صفحاتها المشرفة في تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني.
لكن القيادة الفلسطينية أدركت مبكرا، حقيقة المؤامرة المرسومة على قضية اللاجئين والمخيمات في لبنان، وكينونة الدولة اللبنانية، فقدمت مبادرات عديدة سابقا، واتفقت مع الدولة، توجه الرئيس محمود عباس "أبو مازن" من بيروت بتصريح اكد بمضمونه، أن اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات ضيوف على أرض لبنان الشقيق، وأن حق الدولة اللبنانية في فرض سيادتها على أراضيها لا جدال فيه.
أما مع العهد الجديد في لبنان، حيث نشهد الوتيرة العالية من العمل الجاد لتجسيد معنى الدولة، فقد كان البيان اللبناني- الفلسطيني المشترك الصادر من بيروت، إثر جلسة مباحثات رسمية عقدها رئيس دولة فلسطين، محمود عباس "أبو مازن" مع رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزيف عون، بصيغته المكثفة المركزة، ووضوح أهدافه، كان انعكاسا لانسجام الإرادة لدى القيادتين في تجسيد معنى الدولة والسيادة، دون الدخول في عبارات مطاطية (هلامية)، ففي مجال الأمن والاستقرار، بعد رفض التوطين والتهجير وحق اللاجئين بالعودة طبقا للقرار الدولي 194، كان التأكيد من فلسطين ولبنان على الالتزام بمبدأ احترام سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه.. وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وإنهاء أي مظاهر مخالفة لذلك، الأمر الذي تطلب تأكيد الاتفاق على تعزيز التنسيق الأمني بين السلطات اللبنانية والفلسطينية لضمان الاستقرار داخل المخيمات الفلسطينية ومحيطها بما يضمن مكافحة الإرهاب والتطرف، وضمان عدم تحول المخيمات الفلسطينية إلى ملاذات آمنة للمجموعات المتطرفة.. والالتزام بعدم استخدام الأراضي اللبنانية منطلقا لأي عمليات عسكرية، احتراما لسياسة لبنان المعلنة في عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والابتعاد عن الصراعات الإقليمية.
وبذات البيان تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لبنانية فلسطينية لمتابعة أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، والعمل على تحسين الظروف المعيشية والإنسانية للاجئين، مع احترام السيادة اللبنانية والالتزام بالقوانين اللبنانية، والتزام الجانبين بتوفير الحقوق الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بما يضمن حياة كريمة دون المساس بحقهم في العودة أو التأثير في هويتهم الوطنية.