حماس وثمن جلوسها مع الأميركي
نشر بتاريخ: 2025-05-18 الساعة: 14:55
باسم برهوم
لنكتفِ فقط بالحرب الأخيرة، المستمرة منذ السابع من أكتوبر عام 2023، لتناول الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني في سبيل ان توافق واشنطن على الجلوس مع حماس والتفاوض معها، أكثر من 53 ألف شهيد، وأكثر من 120 ألف جريح، وتدمير 80 بالمئة من قطاع غزة. كل ذلك كي تحظى حماس بالجلوس مع ممثل الادارة الأميركية، وعقد صفقة معه حول رهينة، لماذا نقول ذلك؟ لأن الشعب الفلسطيني ذاته لن يقطف اي ثمرة او إنجاز وطني من وراء هذه التضحيات، فما يهم حماس هو ان يتم التعامل معها والاعتراف بها أملا ان تكون هي وليس منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا للشعب الفلسطيني، ان تقطف الثمار هي وحدها.
في محاولة لوضع جردة سياسية ومادية بخصوص الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني منذ تأسيس حماس العام 1988 حتى الآن، وهي التي رفضت الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، وطرحت نفسها بديلا لها، ثمن عدم انسجام حماس مع الوطنية الفلسطينية، وقبولها بأن يكون قرارها مرتبطا بقرار التنظيم الدولي لجماعة الاخوان، ومرهونا لتحالفاتها الاقليمية.
فإلى جانب المخاطر السياسية بأن يكون للشعب الفلسطيني رأسان وموقعان للقرار، فإن حماس استنزفت الحالة الوطنية الفلسطينية عبر الانقسام، ليس فقط الذي بدأ في العام 2007، عندما انقلبت على الشرعية وحكومة الوحدة الوطنية بالقوة العسكرية في قطاع غزة، وإنما عندما قررت أن تعمل منفصلة عن منظمة التحرير كل الوقت، وعن القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الشعبية الأولى (1987- 1993).
جزء خطير من الثمن السياسي الذي دفعه الشعب الفلسطيني بسب تفرد حماس بقراراتها وخروجها عن الصف الوطني، عندما كانت تقوم بعملياتها التفجيرية، في كل مرة كانت فيها إسرائيل تستعد للانسحاب من اجزاء من الضفة بموجب اتفاقيات اوسلو.
وفي هذا السياق نذكر كيف قادت عملية تفجير لفندق إسرائيلي في مدينة نتانيا خلال انعقاد القمة العربية في بيروت نهاية آذار/ مارس العام 2002، التي طرحت المبادرة العربية المستندة على مبدأ الأرض مقابل السلام. حماس -في حينها وعندما قامت بعمليتها هذه- كانت تدرك انها بذلك ستقدم المبرر المباشر ليقوم شارون بعملية السور الواقي، التي أعاد خلالها احتلال الضفة وتدمير مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، والبنى التحتية والاقتصاد الفلسطيني.
وفي إطار سعيها للحصول على قبول واشنطن وإسرائيل لها، كانت تعمل بشكل منهجي على إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، وساهمت في عزلها عن الجماهير الفلسطينية، بدعم من دول وجهات وماكينات اعلامية ضخمة، كي تقول للولايات المتحدة والعالم ان حماس هي الطرف الذي يجب التحدث معه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، في وقت لا تطرح فيه حماس برنامج الدولة الفلسطينية ولا حل الدولتين انما هي تقبل فقط أن تكون هي من يحكم اجزاء من الشعب الفلسطيني وأجزاء من الأرض الفلسطينية، كما هي اليوم على استعداد ان تتقاسم حكم قطاع غزة مع إسرائيل ذاتها.
نوايا حماس كشف عنها خليل الحية خلال جلسات التفاوض مع ممثلين عن الإدارة الأميركية في الأيام القلية الماضية. قال الحية: نريد إدارة مهنية تدير غزة في المرحلة القادمة، إدارة بلا هوية، وبهذا انسجام تام مع ما يريده نتنياهو، فحماس لا تزال تتصرف على انها البديل للمنظمة والسلطة الوطنية، ولا مانع لديها ان يحكم الشيطان غزة ولكن ليس المنظمة والسلطة الوطنية الفلسطينية، والشيطان يمكن ان يكون نتنياهو نفسه.
السؤال: لماذا احتفلت حماس وأطلق عناصرها النار في الهواء في قطاع غزة لحظة اعلان اتفاقها مع ممثلي الإدارة الأميركية على الافراج عن الجندي الإسرائيلي الذي يحمل جنسية اميركية؟ السبب واضح.. لأنها تعتقد انها حققت إنجازا في تفاوضها مع واشنطن، وليس لأي سبب آخر، لم تكترث ولا تكترث حماس للعشرات والمئات الذين تقتلهم وتجرحهم آلة الحرب الإسرائيلية يوميا، ولا للنزوح المتكرر للناس، ما دامت كل هذه التضحيات بدم الشعب ومقدراته تقودهم للجلوس مع موظفين في الإدارة الأميركية
ولكن السؤال: ما الذي استفاده الشعب الفلسطيني؟ وماذا تحقق من الاهداف الوطنية خصوصا ان حرب الابادة لا تزال تتواصل؟ هل كان هدف النضال الفلسطيني ان تجلس حماس مع ممثلين من الإدارة الأميركية؟
لقد نالت منظمة التحرير الفلسطينية على اعتراف واشنطن نهاية عام 1988 في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ثم اعترفت إسرائيل بالمنظمة ضمن اتفاقيات اوسلو بعد نضال وتضحيات استمرت لعقود. لماذا تسعى حماس ان تحصل على ما حصلت عليه منظمة التحرير الفلسطينية قبل أكثر من 30 عاما باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؟ هل يجب ان يحاول كل فصيل منفردا الحصول على الاعتراف الأميركي والإسرائيلي به وبهذا الثمن الباهظ من التضحيات؟
قد تخرج علينا بعد سنوات حركة فلسطينية جديدة تقدم نفسها مرة اخرى بديلا لحماس، وتسلك نفس الطريق؛ لنيل اعتراف واشنطن، وتكلف الشعب الفلسطيني -مرة أخرى- مئات آلاف الضحيا والدمار.. هل قدر الشعب الفلسطيني ان يدفع الثمن عشرات المرات من أجل تحقيق نفس الهدف؟
mat