على مين يا بنيامين؟
نشر بتاريخ: 2025-05-08 الساعة: 05:46
محمد علي طه
نعيش في وطننا، في مدننا وقرانا، منغرسين زيتونًا روميًّا وصبّارًا وسنديانًا على الرّغم من حنظل وأشواك هذه الفترة الزّمنيّة التي هي الأقسى منذ عام النّكبة، إلّا أنّ تجربة الأجداد العريضة التي قاومت التّهجير والحكم العسكريّ والتّمييز العنصريّ والقوميّ والمجازر والتّجويع وممارسات "العربستيم" وزلم حزب "المباي" والمخابرات وزوّار الفجر وغير ذلك كثيرًا، هذه التّجربة هي تجربة الصّمود والبقاء في الوطن، تقول لهذا الجيل، جيل القامة المنتصبة والهامة المرفوعة، جيل أفضل الأطبّاء والممرّضين والصّيادلة والمهندسين والرّياضيّين والفنّانين والأدباء والهايتكيّين والعمّال والمزارعين والطّالبات المتفوّقات في المعاهد العلمية الجامعيّة: أبدًا لن تهاجر، أبدًا لن تهاجر، أبدًا لن تهاجر، فمن بن غوريون إلى شارون، ومن نتنياهو إلى سموطريتش وأولاد كهانا: هذا وطننا وإحنا هون. هنا، هنا، هنا باقون.
كتبتُ بعد السّابع من أكتوبر مباشرة: إنّ ما كان قبل السّابع من أكتوبر لن يكون بعده، ولم أكن الوحيد الذي قال ذلك. وأتّفق مع الكاتب الإسرائيليّ الشّجاع جدعون ليفي فيما جاء بمقاله الأخير: " تتضّح تدريجيًّا الأضرار بعيدة المدى لهجوم السّابع من أكتوبر، إلى جانب الكوارث الشّخصيّة والوطنيّة المرعبة. هذا الهجوم قلب المجتمع الإسرائيليّ رأسًا على عقب. لقد دمّر، وربّما إلى الأبد، بقايا معسكر السّلام والإنسانيّة في إسرائيل ورفع البربريّة إلى مرتبة "الوصيّة". لم يعد هناك ممنوع ومسموح فيما يخصّ الشّرّ الإسرائيليّ تجاه الفلسطينيّين، بأن يسمح بقتل عشرات الأسرى في الأسر، ويسمح بتجويع شعب بأكمله حتّى الموت. في الماضي كنّا لا نزال نخجل من هذين الأمرين ".
لقد انتشر خطاب الإبادة الجماعيّة في جميع قنوات التّلفزيون الإسرائيليّ ووصل إلى صحيفة "يديعوت أحرونوت"، صحيفة الدّولة وبرز على غلافها بالبنط العريض. لا يخجل برلمانيّ إسرائيليّ من مطالبة تجويع الفلسطينيّين حتّى الموت، ولا يخجل برلمانيّ إسرائيليّ من مطالبته بإبادة الشّعب الفلسطينيّ كما لا يخجل قائد عسكريّ، ولا يخجل زعيم سياسيّ ولا يخجل صحافيّ كبير، ولا نسمع إدانة لهذا الكلام من زعماء "المعارضة"، لا من غانتس ولا من لبيد ولا من أيّ معارض لحكومة نتنياهو.
نسمع في الأيّام الأخيرة أنّ بنيامين نتنياهو ورئيس أركان جيش الحرب زمير قرّرا توسيع الحرب على قطاع غزّة. على مين؟ على مين يا بنيامين؟
لم تبقَ في القطاع مدينة أو قرية أو مزرعة لم يقصفها الطّيران الإسرائيليّ ولم تدمّر الصّواريخ والدبّابات بيوتها.
لم تبقَ في القطاع بقعة أرض لم يصل إليها جيش الاحتلال الإسرائيليّ خرابًا ودمارًا. لم تسلم مدينة أو قرية أو مزرعة من الدّمار، لقد مسحتم مدنًا وقرىً من على وجه الأرض، ولم تسلم عائلة فلسطينيّة من القطاع من الموت. عائلات كاملة لم يبقَ منها إنسانٌ حيّ. أودت الحرب بما يربو على خمسين ألف شهيد، وعلى ما يربو من مائة ألف جريح، فعلى من ينوي نتنياهو وزمير شنّ الحرب؟ هل هما عازمان على إبادة الشّعب الفلسطينيّ ومصمّمان على "تنظيف" غزّة من شعبها؟
تجري أيضًا في الضّفّة الغربيّة عمليّة إبادة يوميّة لمخيّمات اللاجئين. أين مخيّم جنين؟ وأين مخيّم نور شمس؟ وأين مخيّم طولكرم؟ وأين وأين؟
نتنياهو يشنّ حربًا بلا نهاية كي يبقى على كرسيّ رئاسة الوزراء... والشّعب الفلسطينيّ يدفع الثّمن.
ما أغلى الثّمن، ما أغلى الثّمن!
والعالم أصمّ وأبكم. الشّعب الفلسطينيّ يموت جوعًا والعالم أصمّ وأبكم.
والشّعب الإسرائيليّ الذي تظاهر بعد مجزرة صبرا وشاتيلا تحجّر بعد 7 أكتوبر.
والشّعب الفلسطينيّ يدفع الثمن وما أغلى الثّمن!!
mat