الرئيسة/  مقالات وتحليلات

إلى بارزاني :ممنوع الخروج من الخرائط !!!

نشر بتاريخ: 2017-11-14 الساعة: 13:31

عبير بشير في خطاب تنحيه، حمل رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني مسؤولية كسر الحلم الكردي وهزيمة كركوك إلى الولايات المتحدة،وبغداد،ومنافسه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، واصفاً عدم قتاله القوات العراقية بالخيانة العظمى . وأكد البارزاني أن «ثلاثة ملايين صوت لصالح استقلال كردستان صنعوا تاريخاً لا يمكن محوه». وفي رسالة إلى العالم والتاريخ وكهوف وثلوج كردستان قال : «لم يقف أحد معنا سوى جبالنا».

وحتى أسابيع قليلة كان البارزاني يقول للأكراد بأنهم على بعد خطوة من تحقيق حلم الدولة الكردية،كان يظن أن ورقته ستبلع كل الأوراق الأخرى. لكن الأكراد الآن كمن رمي بالكرة على الحائط فعادت لترتطم بقوة برؤوسهم. وقد عكست خسارة الأكراد لكركوك  بهذا الشكل الدرامي، هشاشة البنيان السياسي في إقليم كردستان العراق، وعمق الخلافات السياسية والحزبية بين القوى المتصارعة على المشهد السياسي وسط اتهامات بالخيانة وأخرى باحتكار السلطة والثروة والقرار.

في العقود الماضية اختلفت الدول المجاورة للعراق على كل شيء باستثناء منع الأكراد من الخروج من الخرائط التي وزعوا عليها قبل مائة عام. لا قدرة للإقليم على احتمال تمزيق الخرائط. ولا قدرة للإقليم على الدخول في مغارة التقسيم التي لا تعرف إلى أين ستنتهي !! .

كان الاتفاق في مرحلة ما قبل سقوط نظام صدّام حسين على قيام «دولة فيدرالية» في العراق. حصل الأكراد في المؤتمر الذي عقدته المعارضة العراقية في لندن في 2002 على «الفيدرالية» في مقابل الاعتراف بوجود «أكثرية شيعية» في العراق، لكن التطورات العراقية والإقليمية الدراماتيكية التي حدثت في الفترة الماضية، جعلت الأكراد يظنون بأنهم أمام فرصة مواتية ولن تتكرر مرة أخرى للقفز فوق التفاهمات ومن الخرائط وإعلان الاستقلال من جانب واحد. واتكأ مسعود برزاني على ضعف حكومة بغداد المركزية،والدعم الضمني التاريخي من جانب الولايات المتحدة لهذه الخطوة ، وتواطؤ روسي يتلاءم مع نظرية القيصر بوتين الذي لا يرى حلا لسوريا غير الفيدرالية ،وينادي بمؤتمر شعوب سوريا.

غير أنه وبالرغم من التحولات الهائلة في الإقليم،والعواصف العاتية التي تضربه،والتي جعلت من السهل علينا تصور وضع المقصات فوق الخرائط وخصوصا في سوريا والعراق . لكن في الواقع فإن التمرد على التاريخ أسهل بكثير من التمرد على الجغرافيا، فالتاريخ حكايات وروايات ونصوص وكلمات متراصة بجانب بعضها البعض يمكن تلوينها وإعادة تفسيرها.بينما الجغرافيا ملامح  باردة  وجامدة وراسخة وتزداد  الجغرافيا  قساوة،حين يقيم الثائر بين قوميات ودول هي في النهاية وريثة إمبراطوريات، كالإمبراطورية الفارسية والعثمانية .

 خسارة الأكراد لكركوك ليست مجرد " انتكاسة" كما يقول مسعود بارزاني ،ولا الاستفتاء الكردي "صار من الماضي" كما يقول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي .و ما حصل في كركوك هو هزيمة مدوية لحلم قيام دولة كردية مستقلة ولكن ليست نهائية. فقد انتقلت ديناميكية السلطة التي كانت تحدد السياسة العراقية مجدداً إلى بغداد. ولكن ليس معنى نجاح الحكومة المركزية وبالاعتماد على ميليشيا الحشد الشعبي بالسيطرة على منطقة كركوك المتنازع عليها والغنية بالنفط  ،بأننا نستطيع القول بأن الاستفتاء الكردي أصبح من الماضي، لأنّ المشروع الكردي ما زال ينبض ولن يتوقف عن الخفقان .ما يهزم المشروع الكردي وحلم إقامة الدولة الكردية حقا ليس المدفع والدبابة ، بل هو قيام عراق ديمقراطي في ظلّ دولة  وطنية ومدنية- وليس دولة دينية - .

 المفارقة الحقيقية أن أشباح الحرب الدموية التي جرت بين الحزبين الكرديين في التسعينيات قد تطل برأسها، مع اتهام اربيل لبافل طالباني نجل جلال طالباني الذي يتولى قيادة قوات البشمركة في كركوك بأنه سلم  كركوك للقوات العراقية والحشد الشعبي ،بعد أن اتفق مع قاسم سليماني الذي ذهب إلى السليمانية على ذلك .

وما نشهده الآن هو استدعاء  للمرارت والأحقاد والصراعات الكردية من رف النسيان إلى التداول السياسي الخطر والمحظور، يومها اختلف الحزبان الرئيسان الحاكمان، على إدارة الإقليم وتقسيم الموارد. وتقدم حزب الاتحاد الوطني بقيادة جلال طالباني وسيطر على أربيل بدعم من إيران، لكن مسعود بارزاني ذهب وطلب العون من صدّام حسين، فتدخل الجيش العراقي وأعاد السيطرة على أربيل الى حزب الاتحاد الديمقراطي. وقد انقسم الإقليم يومها على نفسه وخضع إلى إدارتين حتى سقوط نظام صدام حسين.

وكان لافتا بيان اثنى وثلاثون حزباً في كردستان العراق ،حددوا فيه موقفهم حيال الأزمة الناشبة بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم ، أهمه «عدم التخلي عن نتائج الاستفتاء»، و«استعداد الإقليم لإجراء الحوار غير المشروط، على أساس الدستور وبعيداً عن سياسة فرض الأمر الواقع». البيان تضمّن أيضاً بنداً قالت فيه الأحزاب: «نرفض بشدّة أي خطوة باتجاه العودة إلى تقسيم الإقليم إلى إدارتين، ويجب أن يدخل إقليم كردستان موحداً إلى أي حوار مع الحكومة العراقية».

لقد أخطأ مسعود بارزاني والقيادة الكردية في قراءة الخارطة السياسية للمنطقة. ولم يأخذ بالميزان الدقيق الرفض القاطع لكل من طهران وأنقرة لخطوة الانفصال الكردي خشية من انتقال عدوى الانفصال إلى داخل حدودهم وهم المحاطين بأحزمة عرقية وكردية. وإصراره أن يشمل الاستفتاء مناطق متنازع عليها – كركوك- . وأيضا حساسية العالم المفرطة من القفز من الخرائط.

صحيح أن بارزاني حرص عشيّة الاستفتاء على تأكيد أن رسم حدود دولة كردستان في العراق سيكون «موضع تفاوض»، وإنه لا ينوي إقامة الدولة الكردية الآن . لكن هذا لم يكن كافيا . وفي المحصلة ،استطاعت طهران وبالتناغم مع أنقرة وبتفهم أمريكي واضح ،توجيه ضرية قاسية للأكراد ، بعد الاستيلاء على كركوك والخطوات اللاحقة . ولكن خطأ بارزاني الفادح مرتبط بالوضع الكردي نفسه، والانقسام القائم بين الأكراد والصراعات والأحقاد القديمة بين أربيل والسليمانية.وهو انقسام عميق لا يلغيه شبه الإجماع الكردي على الرغبة في قيام دولة مستقلّة، وخشية خصومه من أن يتحول إلى الزعيم الأوحد للأكراد وخصوصا مع وفاة طالباني .

وبعد استعادة المناطق التنازع عليها، وتضاؤل أوراق المساومة في أيدي القيادة الكرديّة، جاء تنحّي بارزاني واتهامه «الجميع» بخذلان الأكراد ليضعف أيضاً موقف التفاوض للإقليم. فلا تجميد نتائج الاستفتاء بات مقبول لدى بغداد حتى لو اضطرّها الضغط الأميركي إلى تجاوزه، ولا التفاوض سيكون على أساس ما كان بارزاني يطرحه للتخلّي عن الاستفتاء أو تأجيله. والأكيد أن صعوبات كثيرة ستثقل كاهل المفاوض الكردي .

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024