الرئيسة/  مقالات وتحليلات

أيها المتصالحون لا تنشغلوا بالنواتج بعيداً عن المسببات

نشر بتاريخ: 2017-10-17 الساعة: 08:41

عماد الأصفر وأنا أسمع الأخبار المفرحة الآتية من القاهرة، أشعر بسعادة شخصية وأخرى وطنية. شخصية تسبب لي بعض الزهو بصواب تحليلاتي الأخيرة بشأن توفر العزم والإرادة والقرار لدى الطرفين، وصدق رهاني على قوة السنوار. فهذا الرجل أخرج حماس من مستنقع طالما اطلت في وصفه. ووطنية لأن ١١ عاما من الْخِزْي والعار في طريقها إلى الإنتهاء إن شاء الله، كنا مؤخراً نشعر بالضآلة ونحن ننعم بالكهرباء فيما تحرم غزة منها، ونسافر بسبب ودون سبب فيما لا يجد المريض الغزي سبيلاً للسفر، وزاد شعورنا بالضآلة ونحن نرى إجراءات تمس حياة وأرزاق الناس.

ذاكرة شعبنا قصيرة، قصيرة جدًا، أكرر ذلك دائماً، ولربما لمستم ذلك خلال الأيام الماضية، عبر سيل المطالبات المتعجلة بحل كل القضايا من ماء وكهرباء ومجاري ورواتب ومعبر وغيرها مرة واحدة، الناس معذورة بالطبع.

الناس معذورة حين تتشكك بناء على تجارب سابقة، ومعذورة حين تطالب الحكومة بإلحاح وتعجل، إن لم تطالب حكومتها فمن ستطالب؟! حتى لو كانت هذه الحكومة بنت أسبوع أو أسبوعين فقط.

الجماهير الغفيرة غفورة أيضا، و يبدو أن حصة السلطة من الغفران أقل من حصة حماس، لا بأس، الجماهير ستنسى كل شيء وستبدأ من جديد، لن تطالب بمحاسبة أحد، وهي مستعدة لانتزاع ذاكرتها من أجل إتمام المصالحة، هذا جيد وسيء في نفس الوقت، جيد لأنه سيهدأ النفوس وسيشيع أجواء إيجابية، وسيء لأنه قد يقود إلى تناسي الضرورة القصوى للقضاء قضاء مبرماً على كل ما من شأنه أن يسبب العودة إلى مربع الإنقسام.

لا يجب تناسي أن المسألة ليست مجرد إجراءات عقابية، أو دمج موظفين أو تحسين ظروف الحياة، هذه على أهميتها وصعوبتها ليست الا علاجاً لنواتج الانقسام وليس لمسبباته .

وضعنا قبل الإنقسام لم يكن مثاليا، إن كُنتُم تتذكرون، وما هو مطروح علنا ليس بكاف لوأد مسببات الإنقسام، والانتخابات على أهميتها ليست علاجاً شافياً ان لم تترافق مع برنامج سياسي موحد يحدد الأهداف العليا.

ما فائدة الإنتخابات إن كان كل فصيل سيمتلك قراره الخاص بإعلان الحرب أو التفاوض، وكتائبه الخاصة وأسلحته وانفاقه، وعلاقاته الخارجية التي تتجاوز إطار العلاقات الثنائية الحزبية لتعتدي على التمثيل الوطني برمته؟!

المسإلة أكبر وأبعد من أسئلة الحياة اليومية للمواطن، أنا لست وزير خارجية ولا شاعر، لأكتب قصيدة في مدح الدور المصري، انا مواطن فلسطيني يريد من فصائله أن تتوافق على الأهداف العليا ووسائل تحقيقها وأن تتنافس بعد ذلك تنافسا شريفا وشفافا على حكمه. التلويح والتهديد بالخطة (ب) ليس أداة شريفة لتنافس شريف على الإطلاق. وهذا يستدعي عدم التساهل في وحدانية إمتلاك السلطة للقوة والقانون والتمثيل الخارجي .

المجتمع المدني الذي يغض الطرف اليوم عن كل شيء إكرامًا للمصالحة، لن يسكت طويلاً على الإنتهاكات، وستكون المهمة القادمة صعبة عليه وعلى السلطة بعد أن يتوحد طرفاها ويتشاركان الدفاع عن الانتهاكات.

اليسار الفلسطيني، وآه آه من هذا اليسار، لم يقم بدوره سابقاً، وإنقسم على نفسه، هل سيتوحد إن لم يكن جماعياً فهل سيجمع كل فصيل يساري شتاته ليقدم لنا رؤية بديلة أو ليشكل حاجزاً يحول دون تعسف السلطة.

المصالحة مباركة ولكننا نريدها دائمة وبأدوات فلسطينية، ودون ضغوط خارجية، أو إستجابة لظروف قاهرة. فما تم خطوة جبارة ولكن المتربصين بها كثر، ومهما بلغت قوة اصحاب القرار فأن وضعنا الفلسطيني برمته هش ويحتاج إلى الكثير من الحذر.

ملاحظة أخيرة قد ترون أنها ليست في مكانها: تعزيز أجواء المصالحة والإيجابية في التعاطي معها، لا يعني ولا يجب أن يعني في أي حال من الأحوال التراجع عن واجبنا المقدس كمتنورين في مواجهة كافة تيارات الإسلام السياسي مواجهة فكرية، تقود إلى إبعاده عن الأصولية ودفعة نحو التدين الحضاري بعيداً عن إدخال الدين في الدولة، براغماتية حماس الأخيرة تثبت أن الدين كان يستخدم إستخداماً بشعاً، وأن فصله عن السياسة فيه نصرة للدين وللوطن.

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024