الرئيسة/  مقالات وتحليلات

"ترمب" وقصف أغصان فلسطين

نشر بتاريخ: 2018-09-09 الساعة: 08:28

بكر أبوبكر المظهر الأول كان حين وقف الرئيس الامريكي "دونالد ترمب" منتفخ الاوداج بخيلاء المنتصر، رافعا  كتاب القرار الموقع من قبله والقاضي نقل السفارة الامريكية من تل أبيب الى القدس، واعترافه بعاصمة فلسطين أنها عاصمة ل"اسرائيل" في 6/12/2017، وهو ما وصفه رئيس الوزراء الاسرائيلي حينها أنه "حدث تاريخي".

هذا "الحدث التاريخي" بحق، رفضه قطعيا الرئيس أبومازن بل وحذر منه سابقا، ورفضته كل القوى الفلسطينية، والعربية -وان بخجل مريب من بعضها.

من المظهر الاول الى الرابع  

 كان المظهرالثاني متمثلا في عقد الولايات المتحدة الامريكية ما أسمته المؤتمر العالمي حول "الأزمة الإنسانية في قطاع غزة"! والذي شارك فيه 19 دولة بينها "إسرائيل" ودول عربية في شهر مارس من العام الحالي، وهي الخدعة الامريكية الفاقعة، والتي اكتشف فيها الامريكان فجأة ودون سابق انذارأن هناك مشكلة في غزة! كأن هذه الادارة لا تعرف أن المسبب الأوحد فيها، وفي الازمة "السياسية والعسكرية والاقتصادية" بغزة والضفة معا، وفي كل فلسطين عامة، هي متمثلة بالاحتلال الاسرائيلي المتخم بالدعم الامريكي.

وفي إطار الفصل الوحشي لغزة عن الضفة انتقدت الادارة الامريكية حينها السلطة الوطنية الفلسطينية لعدم مشاركتها في المؤتمر! وقالت: "أمام السلطة فرصة للانضمام إلى الجهود الدولية الرامية إلى معالجة المشاكل الإنسانية في غزة، وفي حال انضمت سنرحب بها، لكن إن لم تفعل، فسنعمل من دونها"؟!

سنعمل من دونها؟ ليأتي تصريح "غرينبلات" سريعا حين قال أنه لا "يزال هناك إمكانية لضم حركة حماس في حال اتخاذها ما قال إنها الخطوات الضرورية".

سنعمل من دونها؟ في تهديد وراءه الانخداع الذي لم يحسب البعض حسابه ما تساوق معه بعض العرب، وبعض "حماس" وان متاخرا، وعلى رأسهم خليل الحية كمثال حين قال في 30/8/2018  في لقاء صحفي نظمه منتدى الاعلاميين الفلسطينيين في غزة: هناك جهود دوليه من أجل  فك الحصار عن قطاع غزة، ولكن المتعنت لذلك هي السلطة وحركة فتح وعلى رأسهم محمود عباس؟!

 كان المظهر الثالث في شهر 7 الماضي حين وقف رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتانياهو"مزهوا بعنصريته واحتلاله ويمينيته ليعلق على تمرير مشروع قانون القومية اليهودي العنصري بكلمة جاء فيها: "هذه لحظة مميزة في تاريخ الصهيونية ودولة "إسرائيل". ذلك أننا بعد 122 سنة من قيام ثيودور هرتزل بإعلان رؤيته النظرية، حددنا بالقانون مبدأ أساس وجودنا"!

وأهمية هذه الخطوة السياسية بالنسبة إلى "إسرائيل"  كما يكتب سليم نصار "أنها تأتي كجزء مكمل لقرار التقسيم ولو بعد سبعين سنة. والسبب أن هذا المشروع المريب يثبت «إسرائيل الكبرى» فوق الأراضي الفلسطينية، ويسهل لها طرد مليون ونصف المليون فلسطيني على اعتبار أن القانون الجديد يحلل الاستيلاء على الضفة الغربية أيضاً." وكل هذا ما كان ليتم بسلاسة التمرير لولا الغطاء الامريكي الدافيء.

اما المظهر الرابع فكان حين قررت الولايات المتحدة الامريكية عبر خارجيتها "ايقاف أي تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)"، وذلك في1/9/2018 استتباعا لاستقطاعات قررها الرئيس الامريكي ثم اعتبرها لاحقا كمبرر للضغط على الرئيس الفلسطيني الرافض للصفعة، وعلى ما يبدو وحيدا في الأمة يصرخ بلا طائل كما كان حال ابوعمار في بيروت الصمود الاسطوري عام 1982، والذي رد على الصفعة بمثلها حين رفض الانخراط بعملية فصل غزة عن الضفة واعتبارها شانا انسانيا بحتا! فما كان من الرئيس الامريكي الا أن يبحث عن آليات جديدة لتجاوز الرفض والرافضين.

 ترمب يقصف الفنن

لربما لم يصدم الكثيرون من تقلبات الرأي وصدامية المواقف وجدل القرارات التي يتخذها الرئيس الامريكي الحالي الذي لم يقرأ كتابا من خمسين عاما، ولا صلة له الا بعالم المال والمشاهير!

الرئيس الذي يعمل مساعدوه على كبح جماحه -كما يشير الكتاب الجديد ل"بوب وودوارد" عن «خوف، ترامب في البيت الأبيض»- يعلمون مقدار الخلل والخطل الذي يعتري قراراته فيحاولون التقليل من الخسائر عبر اخفاء بعض الاوراق عنه او ازالتها عن طاولته! لأن ما يتميز به من تسرع ونزق وعقلية مغلقة على الارقام فقط تجعل أمثاله لا يستطيعون مطلقا أن يحللوا المواقف أو ينظرون بعمق لمعاني وصيغ وآثار القرارات على المدى القصير والبعيد.

"رينس بريبوس"، أول كبير للموظفين في البيت الأبيض، كان رأيه في ترامب ورجاله كالتالي: «إذا وقعت حيّة وجرذ وصقر وأرنب وتمساح» في حديقة حيوان ليست لها أسوار، فستكون هناك مواجهة دموية!

بمعنى آخر ان قليل الثقافة أو الجاهل أو الغبي كما يصفه زملاؤه أو العاملين معه، وليس نحن، من الصعب جدا الوثوق به، وبقراراته الى الدرجة التي جعلت الرئيس السابق أوباما يخرج عن صمته ويصرخ أن أوقفوه حين يطالب ب"التعقل" و وقف "إساءة استغلال السلطة"، حيث أنه يكفي نزقا.

النزق المتحكم بالرئيس الامريكي جعله يعادي العالم من طريق تحكيم الارقام وربطها بمنطق القوة العسكرية والادارية والاقتصادية الامريكية، ففتح المعارك مع الشرق والغرب مع أوربا ومع الصين بل ومع كندا ولك أن تقيس على دول اخرى كثيرة.

 هذه الإدارة تمارس نزقاً مضاعفاً بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتتصرف بوصفها شركة استثمارية كبرى، فيما نحن ودولنا ومجتمعاتنا زبائنها الصغار المتطفلين على ثرواتها كما يقول الكاتب حازم الامين

نحن في فلسطين والمنطقة الحضارية العربية والاسلامية نرزح تحت تأثير استعمار استيطاني اسرائيلي تم غرسه من خلال الاستعمار الغربي الاوربي باوائل القرن العشرين، وتمت رعايته لاحقا عبر الخارق الامريكي والآن يظهر الخارق (سوبرمان) الامريكي باجنحته طائرا فوق فلسطين من خلال سفيره الصهيوني في فلسطين (ديفد فريدمان)، ومندوبه اليهودي-الصهيوني الآخر لعملية السلام (جاريد كوشنير) وهو كما يصفونه (البغيض المتعجرف كترامب)، زوج ابنة الرئيس (ايفانكا ترمب) ذات السطوة في البيت الابيض ولدى بعض رعاع الامة، واليهودي الصهيوني الآخر (جيسون غرينبلات) مستشار الرئيس للمفاوضات الدولية.)

 

ونحن إذ نصبح تحت فكي كماشة في الاقليم، وفي الأمم المتحدة حيث تتصدى (نيكي هيلي) لكل ما يمس الغطرسة والاحتلال والاستعمار الصهيوني بأي أذى ولو معنوي، فإننا مطالبون بجهد أكبر في مواجهة الخارق (سوبرمان) الامريكي أو ما كان قد أسماه الرئيس الراحل أبوعمار عام 1982 عقلية "الكاوبوي الامريكي"، وهي عقلية فرض القوة التي ظهرت آنذاك بدعم احتلال الاسرائيلي لبيروت، وتظهر اليوم بقصف أفنان شجرة القضية الفلسطينية فنن إثر فنن (غصنا يلحق غصن).

 محو اللاجئين، محو القضية

في القرار الامريكي بنقل السفارة الامريكية للقدس والاعتراف بها عاصمة لدولة "اسرائيل" تمّ قصف عمر الفنن الأول، ثم ما كان من تحويل غزة لقضية انسانية بلا اي مضمون سياسي.

 وما تلاه من صمت عن استباحة الأرض الفلسطينية بتغول الاستعمار الاستيطاني من جهة، وباصدار قانون القومية اليهودية العنصري الابارتهايدي.

 تلاها الالغاء الامريكي الفعلي لملف اللاجئين بوقف الدعم المالي كليا، وعلى رأي "ترمب" شخصيا في لقاء مع 190 شخصية من رجالات الجالية اليهودية في أمريكا متحدثا عن قطعه الاموال عن "الانروا" والفلسطينيين: "لماذا ندفع لكم قبل أن نعقد الاتفاق. إذا لم نعقد الاتفاق، لن ندفع لكم"؟!

اقرأوا ماذا يقول الامريكيون أنفسهم عن رئيسهم: (بريق في عينيه ولصوصية في روحه، وهو الرجل غريب الاطوار والصعب والسخيف وغير المؤهل، انه الفوضوي الذي لا يشعر بأي تأنيب ضمير ويضرب القواعد بعرض الحائط)(ص٣٤-٣٨) ومع هذه أوصاف وممارسات ذكرناها بحق فلسطين والقضية كيف لنا أن نثق بمثل هكذا سياسي (لا يقرأ ولا يتصفح) وهو (عدائي بالفطرة)؟!

 

في هكذا حالة لنقل بوضوح  حسنا فعل الرئيس أبومازن عندما صفع لصوصية ترامب الموصوفة وسخافته وعجرفته بعد ان اكتشفه من الوهلة الاولى، لاسيما وهو -اي ترمب-من يقول عنه المؤلف "مايكل ولف" في كتابه المثير (نار وغضب:البيت الابيض في عهد ترامب) الصادر في بيروت عن دار المطبوعات ص٣٩، اضافة لما سبق الاشارة اليه، أنه: (عاجز عن التخطيط والتنظيم والانتباه وتحويل تركيزه)! الى الدرجة أنه (لا يستطيع أن يربط السبب بالنتيجة)! فكيف لمثل هذا الرجل ان يفهم معنى فلسطين والقدس للأمة؟!

 

يتصرف بحماقة عز نظيرها، وكأن القضية التي ذهب فداء لها آلاف الشهداء من العرب والعالم هي قضية مالية انسانية! صفقة تجارية! فهكذا يفكر الرأسمالي الجشع فقط، دون أن يدرك أنها قضية تاريخية سياسية بامتياز، بل هي قضية وجود وحق لا يتقادم أبدا، شاركت فيها أي بالنكبة وقضية اللاجئين كمأساة وعدوان واقتلاع دول العالم الاستعمارية، وعلى رأسها أمريكا ذاتها.

ان روح اللصوصية كما يصفها "مايكل ولف" في ترامب، هي التي جعلت هذا الرجل (بمثابة نظام متفرد لا مكاسب فيه للغير،فكل ما يعتبر ذا قيمة في عالم ترامب إما يعود إليه، وإما قد سرق منه) (ص308)

يقول الكاتب الامريكي "إيشيان ثارور" أن: "البيت الأبيض يحاجج، إلى جانب اليمين الإسرائيلي، بأن قوائم اللاجئين المعترف بهم ينبغي أن تقتصر على أولئك الذين كانوا على قيد الحياة في 1949، وهي خطوة تتعارض مع عمليات أخرى للأمم المتحدة تمنح وضع لاجئ لأبناء وحفدة النازحين أيضاً." فيما غرّدت السيناتورة الديمقراطية «دايان فاينشتاين» على تويتر قائلة: "أن القطع الكامل للتمويل عن الأونروا عمل غير إنساني ويقوّض مصالحنا في المنطقة".

ويقول الكاتب مصطفى زين : "أخذت إدارة ترامب على عاتقها مهمة محو تاريخ الشعب الفلسطيني، وتحويله إلى مجرد قبيلة من القبائل البائدة. قبيلة متخلفة ليس أمامها سوى الرضوخ للغزاة المنتصرين. أما الكفاح السلمي والمسلح فليس سوى إرهاب بشهادة العالم كله بما فيه العرب." حيث "بدأ ترامب محو التاريخ الفلسطيني باعترافه بالقدس عاصمة أبدية "لإسرائيل" ونقل سفارة بلاده إليها. كانت هذه الخطوة تجربة لامتحان العرب. كان الامتحان سهلاً" فكان ما لحقه من الالغاء الفعلي للقرار194، وهو قرار حق اللاجئين بالعودة.

المضحك المبكي أن من فقدوا ديارهم من 70 عاما فقط تُرفض عودتهم من قبل الخارق الامريكي، وتقبل عودة مدّعي خرافات واوهام امتلاك الأرض أرضنا لسنوات تعود آلاف السنين للوراء!؟

ان اللاجئين هم علامة النكبة والكارثة و"الهولوكوست" الذي أصابنا كأمة عربية واسلامية وليس فقط كفلسطينيين منذ العام 1948، وهي القضية المجال الذي يعني الاستمرار بلا كلل حتى العودة المحققة باذن الله، والتي هي حق طبيعي وتاريخي وقانوني يخيف "ترامب" المنزعج من عدم نجاح صفقاته، كما تُرهب الصهيوني المحتل والمستعمر لأرضنا فلسطين.  

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024