الرئيسة/  مقالات وتحليلات

عن معركة الجنوب السوري

نشر بتاريخ: 2018-06-26 الساعة: 11:22

عبير بشير تتصاعد التطورات الدراماتيكية في الجنوب السوري، من تكثيف سلاح الجو السوري لغاراته على مواقع المعارضة المسلحة في مُحافظتيّ القنيطرة ودرعا، خاصَّةً في مِنطَقة اللجاة الجبليّة الوَعِرة في ريفيّ درعا الشرقيّ والسويداء الغربيّ، اللَّتين تُعتَبران أهم الحاضِنات الطبيعيّة للمعارضة المسلحة، ودخول سلاح الجو الروسي على خط الهجمات في محور الجنوب السوري، وترافق ذلك مع الحشود العسكرية، والأرتال المدرعة والآليات وحاملات الجند للجيش السوري، بقيادة الجنرال في الحرس الجمهوري، سهيل الحسن، الملقب بـ»النمر»، والمقرب من الرئيس السوري بشار الأسد والقيادة الروسية. ولا يمكن تخيل حدوث هذه التطورات بمعزل عن حصول موسكو على ضوء أخضر أو برتقالي أميركي ورضا إسرائيلي كامل، يسمح للنظام السوري بالتوسع والسيطرة على الجنوب الإستراتيجي مقابل ضمان ابتعاد إيران والميليشيات الموالية لها عن الحدود بنحو أربعين كيلومتراً، ضمن سيناريوهات ما زالت مفتوحة ولم تحسم بعد. 
وأكدت الرسالة التي نقلها مسؤول أميركي كبير لممثلين عن المعارضة السورية المسلحة، هذا المنحنى الدراماتيكي؛ حيث طالبت الإدارة الأميركية المعارضة بعدم بناء قراراتها في المعركة المرتقبة مع النظام في درعا على توقع قيام الولايات المتحدة بتدخل عسكري لصالحها. وجاء في الرسالة: نحن في حكومة الولايات المتحدة نتفهم الظروف الصعبة التي تواجهونها الآن، وأضافت: نتفهم أنكم يجب أن تتخذوا قراركم على أساس تقديركم لمصالحكم كما ترونها، وينبغي ألا تسندوا قراركم على افتراض أو توقع تدخل عسكري من قبلنا.
موسكو تلقفت الرسالة الأميركية بلهفة، فلم تمر ثلاثون دقيقة من رفع الولايات المتحدة الغطاء عن المعارضة السورية، حتى أقلعت الطائرات الروسية من «حميميم» تجاه الجنوب وبدأت بقصف بصرى ومنطقة اللجاة لأول مرة منذ توقيع اتفاق خفض التصعيد. 
وللمرة الأولى منذ أكثر من سبع سنوات، تلتقي قوى إقليمية ودولية ذات مصالح متناقضة معنية بالملف السوري، على دعم عودة قوات النظام السوري حصراً إلى منطقة الجنوب السوري الإستراتيجي. ويكتسب الجنوب، الذي يضم بشكل رئيس محافظتي درعا والقنيطرة، خصوصيته من أهمية موقعه الجغرافي الحدودي مع إسرائيل والأردن، وقربه من الخاصرة الدمشقية. وفرض مستقبل الجنوب السوري حضوراً طاغياً على جدول محادثات تقودها روسيا مع إسرائيل من جهة، والولايات المتحدة والأردن من جهة أخرى.
ومن المعلوم أن روسيا وضعت ثقلها للتوصل إلى تفاهمات دولية تقضي بانسحاب القوات الإيرانية من الجنوب السوري، وذلك لإبعاد شبح حرب إقليمية، وأعلن مندوبها الدائم في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن الأطراف المعنية اتفقت على خروج القوات الإيرانية من جنوب غربي سورية ولم يحدد جدولاً زمنياً لذلك. وسارعت طهران إلى تأكيد دعمها للتوجه الروسي، وأكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، أن المستشارين الإيرانيين ليس لهم دور بالعمليات العسكرية في جنوب سورية، مشدداً على دعم إيران المساعي الروسية لـ إخراج الإرهابيين من الحدود السورية - الأردنية، وسيطرة الجيش السوري على هذه المناطق.
كذلك حدثت تطورات إستراتيجية، جعلت النظام السوري يصوب نحو الجنوب، فبعد سيطرة النظام السوري بالكامل على منطقة القلب، الممتدة من السويداء جنوباً إلى دمشق وريفها وحمص وحماة وطرطوس واللاذقية، مع تعرج خاص يصلها بمدينة حلب متجاوزاً إدلب. بدأت أركان النظام السوري بالتوعد بنقل المعركة إلى محافظة درعا التي شكلت مهد الاحتجاجات السلمية ضد النظام قبل اندلاع النزاع المسلح. وترافق ذلك مع تعزيز الأسد لقواته على نقاط التماس بين المناطق التي يسيطر عليها والمناطق الخارجة عن سيطرته في الجنوب السوري، خاصة على طول الخط الدولي الذي يصل بين دمشق ودرعا.
وتسيطر فصائل الجيش الحر على سبعين في المائة من مساحة محافظتي درعا والقنيطرة، في حين يتواجد تنظيم «داعش» في جيب بجنوب غربي درعا. كما ينتشر نحو خمسمائة مقاتل من المليشيات الإيرانية والمستشارين الإيرانيين في مثلث درعا القنيطرة وريف دمشق الجنوبي الغربي.
وقال الباحث في الأزمات الدولية، نوار أوليفر: الجبهة الجنوبية هي أول مثال على توافق دولي لعودة النظام السوري، ومن الواضح أن هناك توافقاً بين الأميركيين والإسرائيليين والأردنيين والروس، على أن الخيار الأفضل هو انتشار قوات النظام من دون الدخول في عملية عسكرية ما أمكن ذلك.
. وتحدث الباحث المتخصص في الشؤون السورية في مجموعة الأزمات الدولية، سام هيلر، عن تشكّل شبه إجماع دولي على عودة دمشق إلى الجنوب السوري، ولكن مع إبعاد حليفها الإيراني عن الحدود. ورأى الباحث أن واشنطن تريد من خلال أي صفقة وضعاً مريحاً لإسرائيل، ويمكن للإسرائيليين التعايش معه، وهو يعني أنه لا يمكن للأسد دعوة الإيرانيين للتمركز في المنطقة الجنوبية.
الزِّيارَة الخاطِفة التي قامَ بِها بنيامين نتنياهو إلى عمّان، ولِقاؤه بالعاهِل الأُردني، تمحورت في جانب كبير منها حول بَحث ملف الجنوب السوري، وكيفيّة التنسيق بين الجانِبَين الأُردني والإسرائيلي تُجاه تَطوّراتِه الإستراتيجية والعَسكريّة. كما مهدت التفاهمات واللقاءات الماراثونية بين موسكو وتل أبيب لصفقة الجنوب السوري، وفق ترتيبات تضمن عدم بناء قواعد إيرانية دائمة في سورية، جوية أو صاروخية، وحرية توجيه ضربات إسرائيلية لمواقع إيرانية في العمق السوري وفقاً للمصلحة الأمنية الإسرائيلية، وإبعاد القوات الإيرانية عن خط الهدنة مسافة أربعين كيلومتراً، مقابل نشر قوات الأسد في الجنوب السوري.
ونقلت القناة الثانية العبرية عن مصدر رفيع المستوى قوله: إن تل أبيب وافقت على انتشار قوات الجيش السوري على حدودها الشمالية، بوساطة روسية، وأضاف: إن الاتفاق يضمن انتشار الجيش السوري في مواقع على الحدود مع إسرائيل، ولقاء ذلك، يعد الروس بعدم وجود الإيرانيين هناك.
غير أن التطورات الدراماتيكية في الجانب السوري أقلقت الطرف الثاني الحدودي – الأردن، خصوصاً لجهة توقع تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في حال اندلاع نراع عسكري واسع النطاق، وغرد وزير الخارجية، أيمن الصفدي، عبر «تويتر»، مؤكداً أن بلاده أدت دورها الإنساني كاملاً نحو الأشقاء السوريين، وتتحمل ما هو فوق طاقتها في استقبال اللاجئين والعناية بهم، لكن المملكة لن تتحمل تبعات التصعيد في الجنوب، ولن تستقبل المزيد.
تغريدة كهذه تحمل قراراً سياسياً ضخماً، بأن عمّان استنفدت طاقتها الاستيعابية للاجئين وأي موجة جديدة للجوء سيتم تأمينها داخل الأراضي السورية وليس في الأردن، على غرار نموذج مخيم الركبان. وأن عمّان ستضع ثقلها من أجل التوصل إلى تسوية سلمية تضمن خروج المسلحين مع عائلاتهم إلى محافظة إدلب ضمن تفاهمات دولية تريح كافة الأطراف.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024