الرئيسة/  مقالات وتحليلات

عن «العاصوف»

نشر بتاريخ: 2018-06-19 الساعة: 09:26

عبير بشير بين نقد الثقافة، واستفزاز الأيديولوجيا تصبح اللعبة معقدة وغير مستقرة ما لم تضطر الأطراف المتنافسة على المجتمع إلى التوفيق بين مصالحها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن النظام الاجتماعي يدير جزءاً من هذا التنافس ويرسخه. 
ويمكن القول إن مسلسل «العاصوف» - الجزء الأول - الذي تم عرضه على شاشة «أم بي سي» في شهر رمضان، هو أول محاولة تلفزيونية جادة لتقديم المجتمع السعودي في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، وهي الفترة الأكثر حساسية في تاريخ السعودية، والتي شهدت الكثير من المتغيرات السياسية والاقتصادية والفكرية، كما أن الهجوم على المسلسل بدأ من حلقته الأولى، وهو هجوم يقول عنه بطل المسلسل ناصر القصبي إنه «مدفوع»، على اعتبار أن العمل يتعرض لبدايات تغلغل جماعات الإسلام السياسي، والتي أنتجت ما عرف بالصحوة الإسلامية في المجتمع السعودي في أعقاب الثورة الخمينية، حيث أغلقت دور السينما وأوقفت الحفلات الغنائية، وصودرت الروايات والكتب وشاع التكفير، وأوقفت الندوات، وضيقت على التلفزيون، وهيمنت على النشاطات التعليمية والأعمال الخيرية.
ولم يكن المسلسل لينال كل هذا النقد، ويقسم المجتمع السعودي، بين مؤيد ومعارض لفكرة وتفاصيل هذا العمل الفني، لو أن القائمين عليه قالوا عنه إنه عمل فني درامي بحت، بل حرص القائمون عليه وصانعوه على التأكيد على أنه يقدم صوره للمجتمع السعودي في فترة السبعينيات.
الناقد الفني فاضل العماني اعتبر أن العاصوف دراما سعودية تغوص في حقبة السبعينيات بكل ما تحملها من بدايات وتناقضات للكثير من التفاصيل الحياتية، مسلسل، قد يكون أهم من عشرات الكتب والتقارير التي تؤرخ لهذه الفترة. 
حيث يتحدث مسلسل العاصوف عن عائلة سعودية في بداية السبعينيات - عائلة سعيد الطيان -، تتقاطع معها علاقات اجتماعية مختلفة ضمن السياق الدرامي، إلى جانب تحرك سياسي يسير في خلفية العمل، ليعطي انطباعاً عن المرحلة الزمنية التي تم طرحها للعمل.
ويرى المعارضون لهذا المسلسل أنه يحاول تشويه صورة المجتمع السعودي والنيل من خصوصيته، مع عرض مشاهد عن الطفل اللقيط، والخيانة الزوجية، والغزل، والتبرج، والرقص، ما اعتبروه هجوما على القيم والعادات السعودية، فيما يرى أحد النقاد أن الأعمال السينماتوغرافية الجيدة، بما في ذلك المسلسلات التلفزيونية، تحتاج لما هو أكثر من الإنتاج الضخم، أو التصوير الواقعي المتقن والمكلف، تحتاج لما هو أهم من ذلك وأصعب وهي الحبكة الدرامية المتقنة، والسيناريوهات والحوارات الدرامية العميقة التي تشكل لب العمل الفني التي تدور حوله أمور الإنتاج والإخراج الأخرى.
كما خاطب المدون ناصر العودة الممثل ناصر القصبي في تغريدة له قائلا: «العاصوف.. قصدهم أن أجدادنا كانوا عيال شوارع ونشالين؟ إلى أين يالقصبي»، في إشارة إلى نشال محترف ظهر في الحلقة الأولى، ووجود كثير من الصبية يلعبون في الشوارع الترابية..
أما بالنسبة لمؤيدي مسلسل العاصوف، فإنهم يرون أنه كشف المستور، وكسر التابوهات المحرمة، وتسبب بصدمة إيجابية للمجتمع السعودي، وحرّك المياه الراكدة، وعصف بذاكرة المشاهدين، مع ظهور مشاهد لم يكونوا يتوقعون ظهورها على السطح، فيما عصف بآخرين لأن خيالهم عاجز عن توقع مثل تلك المشاهد في حقبة ماضية، نتيجة لذاك الخطاب الأحادي الذي ظل ولا يزال يحاول رسم صورة مبالغ في مثاليتها للمجتمع، متجاهلين أن لكل مجتمع بشري سلبياته على مر التاريخ، وعلى سبيل المثال، كانت الأغاني الشعبية في سبعينيات القرن الماضي في السعودية، تحكي قصصا غرامية خارجة عن المألوف وعن الأعراف، ومع ذلك كان هناك من يعتقد بأن تلك الأغاني ما هي إلا تصورات خيالية لحفنة من الشعراء، ليس لها علاقة بالواقع الاجتماعي، فيما اعتبر جزء آخر أن تلك الأغاني هي أغاني السوقة والعربجية، وأنها لا تمثل المجتمع السعودي، بينما يرى علماء الاجتماع عكس ذلك، أن الفنون تعكس شيئا من ثقافة وأخلاق المجتمعات، وأن علم الاجتماع يستمد معلوماته من السوقة ومن الغوغاء، الذين يمثلون القيم الاجتماعية السائدة في كل عصر أصدق تمثيل.
فيما يرى تيار ثالث، أن التفسير الخاطئ الذي يجري خلفه الكثيرون للمشهد الدرامي الذي يعرضه العاصوف سواء من المؤيدين أو المعارضين له هو اعتقادهم أن منطقة الصراع على الثقافة تتمثل في منطقة العاصوف الذي يريد أن يمرر سلوكه الدرامي على أنه سلوك مجتمعي، وفي الجانب الآخر منطقة المعارضين الذين يستنجدون بالثقافة المجتمعية وتاريخها لإحياء فكرة الخصوصية التي تتغافل عن المشتركات البشرية والقيمية التي تتشابه بها مجتمعات العالم كلها كالفساد الأخلاقي على سبيل المثال.
ومع غياب التقاليد السعودية عن إنتاج مسلسلات تتناول مسائل متعلقة بتاريخ الدولة السعودية وتطور المجتمع السعودي - إلا لمحات فكاهية لناصر القصبي في المسلسل الشهير – طاش ما طاش - يمكن فهم الجدل الكبير حول ما طرحة العمل، كما أن المتغيرات الاجتماعية والدينية والسياسية الراهنة للمملكة كفيلة بتأجيج هذا الجدل. 
وبالنسبة للمحافظين في السعودية، فإن ناصر القصبي يعد من رموز التيار الليبرالي في المملكة، وقد اشتهر بانتقاده لممارسات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل تجميدها، لذلك فإنهم يرون أن مسلسله «العاصوف» يأتي في  إطار توجهات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتغيير بنية المجتمع. حيث اعتبر بن سلمان أن التطرف الإسلامي هو حالة غير عادية وغير طبيعية دخلت على المجتمع السعودي، وتعهد «بتحرير المملكة من تلك الحقبة» وإعادة السعودية إلى ما كانت عليه قبل ثلاثين عاما؛ وهي الحقبة التي يتحدث عنها «العاصوف. ولعل مجيء مسلسل «العاصوف» في غمرة هذه الحملة وبمفردات درامية وفنية جديدة وغير معهودة في المشهد الدرامي السعودي وعن حقبة معتمة نسبيا، وضعه في فوهة الانتقادات.
ويبقى هناك سؤال مهم: هل «العاصوف» ومنافسوه يعيدون إنتاج المرحلة الماضية من الصراع الثقافي، أو إنها مرحلة يجب تجاوزها مع مجتمع الحداثة ومجتمع السوشيال ميديا ؟ أم نحن أمام مرحلة من إعادة تدوير ذات المنتج الثقافي.
 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024