الرئيسة/  مقالات وتحليلات

استباق فلسطيني للموقف الامريكي

نشر بتاريخ: 2018-02-22 الساعة: 20:00

هاني العقاد المكان مجلس الأمن الدولي والزمان قبل أن يعلن ترامب عن صفقة القرن أو حتى يكشف عن بنودها على الأقل فيما يتعلق بالصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الهدف ذكي ومحدد وموقت وله أبعاد سياسية مهمة على صعيد  النضال السياسي والدبلوماسي الذي يخوضه الفلسطينيين، والإجراءات قابلة للتطبيق وليست معقدة أن رفعت واشنطن هيمنتها عن التفرد بالتصرف المنحاز لحل الصراع دون إشراك العالم، الذي حدث كان مخطط ومدروس بذكاء سياسي غير عادي لمواجهة غير عادية  داخل أروقة مجلس الأمن الذي يتولى بحث حالة الأمن والاستقرار ونشر السلام في العالم، لم تكن المواجهة مجرد خطاب مكرر للرئيس أبو مازن، ما حدث بالضبط جاء لمواجهة الصفقة الأمريكية المسماة صفقة القرن وخاصة الجزء المتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ولعل مواجهة الصفقة بهذا الأسلوب يعني تقدم سياسي وذكي للقيادة الفلسطينية قد يترتب عليه الكثير، الخطة التي تقدم بها الرئيس للعالم أمام مجلس الأمن تواجه من قبل الفلسطينيين وعلى مسمع ومشهد العالم بخطة يفضلها المجتمع الدولي وتلقي اهتمام غير عادي من كافة الكتل المركزية بالعالم عدا الولايات المتحدة وإسرائيل .
خطة السلام التي عرضها الرئيس أمام مجلس الأمن لم تكن خطة تكتيكية بهدف تحسين الخطة الأمريكية المزمع الإعلان عنها قريبا كما أعلن وزير الخارجية الامريكي ريكس تيلرسون خلال زياته الفاشلة للمنطقة مؤخرا، بل هي رؤية الفلسطينيين العملية والمنطقية لحل الصراع وآليات رعاية المفاوضات التي لا يمانع الفلسطينيين العودة إليها في إطار يعتمد على الأسس والمرجعيات التي حددتها الخطة وهي مبادرة السلام العربية التي اعتمدت في القمة العربية 2002 ولم تقبلها اسرائيل حتى الآن بالإضافة إلى قرارات الشرعية الدولية، والاتفاقيات التي تم توقيعها بين الطرفين، الخطة تعني أن الفلسطينيين استبقوا الموقف الأمريكي بكثير وجذبوا انتباه العالم وحشدوا لعدالة قضيتهم  ليس عبر التصريحات والاءات والرفض بل بشكل أكثر عمليا وبذات اللغة التي يتحدث بها الأمريكان ودعاة الحلول السلمية وأصحاب مبادرات دفع العملية السياسية إلى الأمام.
لا أعتقد أن تكون الخطة التي قدمها الفلسطينيين للسلام جاءت صدفة أو آنية التوقيت والإعداد بل أنها درست جديا وتم عرضها على بعض دول الاقليم  مثل الكويت ومصر والأردن وعمان وجال الرئيس مشارق الارض ومغاربها للتشاور بشان بنودها مع كل من روسيا والصين وفرنسا والاتحاد الاوروبي ومؤخرا الهند باعتبار أن هذه هي القوى المحورية بالعالم ولم يتقدم الرئيس أبو مازن بهذه الخطة إلا بعد أن تلقى التأييد والضوء الأخضر بدعم خطته والعمل عليها وخاصة أن كثير من دول العالم الآن أصبحت تتحدث عن ضرورة عقد مؤتمر دولي يخرج عنه آليات محددة لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ويتحدث أيضا عن آلية لرعاية هذه المفاوضات.
لعل الرئيس الفلسطيني نجح إلى حد كبير في الحفاظ على سرية الخطة وأوهم العالم أنها مجرد أفكار يطرحها ويناقشها مع مستويات دولية واقليمية مختلفة، والخطة قد تكون نقلت من طرف دولي أو إقليمي حتى لإسرائيل والأمريكان لكن لم يكن يعرف الأمريكان أو الإسرائيليين أن أبو مازن سيقدمها للعالم في مجلس الأمن. الخطة أربكت حسابات أمريكا واسرائيل إلى حد بعيد بإعتبار إن إسرائيل كيان يدعوا الى الحرب وليس إلى السلام ويختبئ في رؤيته للسلام بالعباءة الأمريكية فقط  وبالتالي فان رد اسرائيل جاء سريعا على ما تحدث به أبو مازن فقد صرح نتنياهو أن أبو مازن لم يأتي بجديد وهذا معروفا لإسرائيل وبالتالى لن تقبل خطته للسلام ولن تفكر إسرائيل حتى بدراستها، هنا كتبت “هآرتس” حول هذا الموضوع أن عباس احتج على قرار الولايات المتحدة إخراج القدس من ملف المفاوضات بشكل غير مشروع، وقال إنها “خرقت التوازن كدولة وسيطة وراعية”، وفي ضوء ذلك “يجب العثور على صيغة أخرى لدفع العملية السياسية، أما "داني دانون" سفير اسرائيل في الأمم المتحدة معتبرا أن أبو مازن تعتبره اسرائيل اليوم سببا في المشكلة وليس الحل، وقال مخاطبا أبو مازن إنك هنا تتحدث عن السلام لكنك تتحدث الى رجالك بشكل مختلف تماما واتهم أبو مازن بالتحريض وتمويل الإرهاب باعتباره سياسة فلسطينية .
الأمريكان وعلى لسان الناطقة باسم وارة الخارجية الامريكية هيذر ناورت قالت إن واشنطن تدرس خطة السلام الفلسطينية ولا تمانع أن يشترك دول مع أمريكا في إرساء السلام لكن ليس في هذه  المرحلة، وبالمقابل سارع وسيط السلام الامريكي في الشرق الأوسط صهر ترامب جاريد كوشنر والسيد جيسون غرنبلات إلى الطلب رسميا من أعضاء مجلس الأمن دعم خطة السلام الأمريكية التي تعدها واشنطن، في مؤشرات مؤكدة لرفض التعاطي مع ما طرحة ابومازن وحتى القبول بالمؤتمر الدولي، لذلك فانا اعتقد أن أمريكا اليوم ستسارع إلى الإعلان عن خطتها وتكشف عن بنودها التي يرفضها الفلسطينيون والعرب مسبقا لإنها خطة منحازة بالكامل للمشروع الصهيوني وتقفز كليا عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وحقة في تقرير المصير حسب الشرائع الدولية، اليوم أصبح أمامنا خطة فلسطينية مقبولة دوليا وتلقي الدعم الكبير مقابل خطة امريكية يحتدم معها الصراع ويرفضها المجتمع الدولي لهذا فان الأمريكان سيعملون بسرعة لحشد العالم لخطتهم علاوة على إعطاء اسرائيل الضوء لفرض الوقائع على الارض لتطبيق الخطة  والذي  اعتبره بدا بالفعل بمجرد ان اعلن ترامب القدس عاصمة للكيان في ديسمبر الماضي .

 

far

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024